من المهم فهم الطرق المتعددة التي قد يتفاعل بها المناخ مع الدوافع المعروفة للنزاعات المسلحة، فهي في الواقع علاقة معقدة وجدلية منذ سنوات، وربما يكون الطرح الأنسب في هذا السياق هو النظر إلى قضية تغير المناخ ونشوب النزاعات المسلحة على أنها علاقة ترابطية وليست سببية، حيث يمكن للأحداث المناخية المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ -مثل موجات الجفاف المتكررة وشح المياه وانخفاض الإنتاج الزراعي في الدول التي تعاني من جراء انفلات السلاح، وهشاشة المؤسسات السياسية والأمنية- أن تزيد من فرص العنف الداخلي مع زيادة التنافس على الموارد الطبيعية، وهو ما تدعمه إحصائية نشرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) أشار فيها إلى أن ما لا يقل عن 40% من جميع النزاعات الداخلية على مدى السنوات الستين الماضية يمكن ربطها بـ«استغلال الموارد الطبيعية».

ويؤجج عدم فاعلية الحكومات في الاستجابة لآثار التغير المناخي، من تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، ويدفع بغياب ثقة الأفراد بحكوماتهم، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني توظفها التنظيمات المسلحة في التوسع والانتشار والتجنيد، مقابل وعود بتوفير ما عجزت الحكومات عن توفيره.

ويمكن أن يلاحَظ ذلك في الوقت الراهن في منطقة الساحل وبحيرة تشاد، حيث تسارع تلك التنظيمات إلى الدخول على خط الصراعات المحلية بين الرعاة والفلاحين على الأراضي الزراعية لاكتساب مجندين جدد. كما يمكن أن نرى كيف استغل «داعش» في مرحلة ما في سوريا والعراق العجز السياسي والأمني للدولة للسيطرة على مصادر المياه واستخدامها كسلاح ضد المدنيين لفرض مصالحه.

وجدير بالذكر أنه قد لا تكون تداعيات تغير المناخ المسبب الرئيسي لهذه القضايا، إلا أنها تعتبر عاملًا مضاعفًا، إذا ما اقترنت بمعطيات أخرى، مهددًا استقرار الدول وشرعيتها، بل والأمن الدولي أيضًا. كما تعد تداعيات التغير المناخي محركًا قويًا للهجرة القسرية أو ما تسمى بـ«الهجرة المناخية»، حيث تنبأ البنك الدولي أن تصل أعداد «مهاجري المناخ» إلى 216 مليون شخص داخل بلدانهم بحلول عام 2050، ويمكن أن ترى بوادرها ببداية عام 2030.

ومع أن التأثير المباشر للتغيرات المناخية سيتمثل بالأساس في نمط الهجرة الداخلية من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، فإنه يرجَّح أن يتحرك الأفراد -فيما بعد- عبر الحدود الدولية، مما قد يفاقم من ظاهرة الهجرة الدولية في وقت لا تبدو فيه دول العالم ومعظم المؤسسات الدولية مستعدة للأعداد المتوقعة من «الهجرة المناخية».

ومن المرجح أن تشكل تلك الهجرات تهديدًا أمنيًا لاستقرار المجتمع الدولي، من خلال إجهاد الحكومة في البلدان المستقبلة، فضلًا عن تزايد احتمالات استغلال ورقة الهجرة من الجهات الحكومية وغير الحكومية، لتحقيق أهداف ومصالح جيوسياسية من خلال إحداث الفوضى واستنزاف موارد دولة مناوئة.

ومن هنا تبرز أهمية دراسة الجوانب المختلفة لتأثيرات تغير المناخ أمنيًا، لتحديد أولويات الاستجابة -الوطنية والدولية- وتعزيز التعاون الأمني، بالإضافة إلى تضمين «الهجرة المناخية» المحتملة في الخطط الاستراتيجية، لتفادي الاستجابة العشوائية.

*باحث رئيسي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات